الأمومة .. ولادة جديدة للذات
وليست مقبرة الطموح
منذ صغري وأنا أقرأ في كل الروايات وأشاهد في كل الأفلام والمسلسلات صورة ثابتة للأم .. التضحية ونكران الذات من أجل أطفالها .. ثم تستنكر بعد ذلك إهمال أولادها لذاتها واهتماماتها دون أن تدرك أنها هي التي أوحت لهم بذلك من خلال إهمالها لنفسها ..
فالأمومة لا تعني أن تهمل الأم نفسها وأحلامها وطموحاتها لأجل أبنائها .. بل تعني أن تقوم الأم بكل جهدها لتربية أبنائها تربية صحيحة ليكونوا أصحاء نفسياً وجسدياً .. وليصنعوا بذرة صالحة للمجتمع في المستقبل .. دون أن تنسى أحلامها
وبالمقابل فهي بإتقان هذه التربية ستجد أنها تحقق ذاتها من خلال نجاح أبنائها وتفوقهم بل وستجد أنها تتعلم منهم وبالتالي يزيد شغفها لتحقيق أحلامها ..
الأمومة ليست إنكاراً للذات كما تظن بعض الأمهات وإنما هي رمز للأنوثة وفرصة مميزة للبدء بحياة جديدة تخطها هذه الأم بيدها ، فتبدأ مع طفلها الأول بقوانين جديدة تفرضها على نفسها وزوجها قبل طفلها ، فتجدهم مثلاً يلتزمون بموعد ثابت لتناول الطعام لتربية طفلهم على احترام المواعيد بعد ما كانوا يأكلون في أي وقت وفي أي مكان .. فتكون هذه التربية للثلاثة معاً : الأم والأب والطفل ..
كما أنها فرصة جديدة لهذه الأم التي تطمح بأن تكون مثالية في تربية أطفالها فتقوم بقراءة الكتب والمقالات التي تتحدث عن التربية الصحيحة وتتعرف على أمهات سبقوها بالتجربة وتستمع إلى نصائحهن القيمة مما يطورها ثقافياً واجتماعياً
إذاً أصبح لدينا تطور اجتماعي وثقافي وتربوي .. وهذه الجوانب الثلاثة متى تغيرت فهي كفيلة بتغيير الأم تغييراً جذرياً نحو الأفضل .. أليس هذا أفضل من إهمالها لذاتها؟؟
للأسف هناك أفكاراً غريبة سائدة تقول أن المرأة يجب أن تنسى ذاتها وتوقف طموحاتها عند أول طفل تنجبه وأن تكرس حياتها من أجله فقط ... سؤال : ماذا تفعل هذه الأم عندما يكبر أطفالها ويذهبون للمدرسة فالجامعة وبعدها عندما يتزوجون؟
- حتى لو حاولت بعد زواجهم سيكون بينها وبين المجتمع فجوة كبيرة لا تستطيع تجاوزها -
الجواب : سيكون لديها فراغ قاتل في ساعات الصباح وأحياناً المساء لسنوات طويلة دون استغلال حيث تقوم بقتل وقت فراغها بين فنجان القهوة مع جاراتها مع بعض القيل والقال .. أو الجلوس على الهاتف تأكل لحم هذه وتلك .. أو تنتظر طول اليوم عودة زوجها فإن تأخر لحظة ؛ أين كنت .. وان كان متعباً ؛ أنت مشغول عني .. وإن أراد النوم ؛ لقد مللت طول اليوم بين أربع حيطان
وفي مراحل متقدمة من العمر يكون التفرغ للمشاحنات مع زوجة الابن او زوج الابنة والتحليل السياسي لكل نساء الحارة والعائلة ..
طبعاً ليس شرطاً هنا أن تكون المرأة عاملة بل ما نريده أن يكون لديها طموح وشيء مفيد وهادف تقوم به وتقدمه للمجتمع ، فقد تشغل وقتها بحفظ القرآن في وقت فراغها .. أو الاشتراك في حلقات دينية في مسجد قريب من بيتها فتستفيد وتفيد غيرها من بنات جنسها في العلوم الدينية والدنيوية أو تشارك في جمعيات خيرية أو منتديات ثقافية وتربوية .. فهناك الكثير من الأمور التي قد تشغل الأم نفسها بها دون أن تعمل خارج البيت حتى لا تترك أطفالها - إن كانت هذه حجتها -
الأم ليست آلة للغسيل والطهي وترتيب المنزل ؛ بل هي إنسانة لها كيان وشخصية مستقلة .. لو صقلتها جيداً ستخرج لنا بنواة صالحة لتغيير جزء من هذا المجتمع وهذا الجزء بدوره يقوم بإكمال المهمة مع باقي المجتمع لنخرج بمجتمع مميز صالح مليء بالقيم الإسلامية والأسس الصحيحة لتحقيق نهضة قريبة
الأم لو أتقنت وظيفتها ستصنع المعجزات فهي نصف المجتمع وتربي النصف الآخر
ماذا لو نظرت هذه الأم إلى طفلها على أنه فرصة للبدء معاً من جديد؟ -هنا سأتكلم عن الموضوع بتعمق أكبر-
حينها ستبدأ حياتها منذ ولادته فتنسى إخفاقاتها وتجاربها السلبية وآلامها - فحضور الطفل إلى هذه الدنيا يحمل مشاعر إيجابية كافية لمحو كل ما سبق تأكدوا تماماً من ذلك - وتبدأ برسم أحلام وشخصية جديدة تماماً مثل شخصية طفلها وتقوم بزرع كل القيم والمبادئ الايجابية - التي تربي طفلها عليها - بداخلها أولاً ثم بداخل طفلها .. كيف؟؟
أي أن تعامل نفسها كأنها طفل لها تبدأ معه من جديد .. هذا تماماً ما أصابني عندما أنجبت فكنت كلما أقرأ شيئاً عن تربية طفلتي وأقرر البدء فيه أشعر أنني من داخلي أتغير أيضاً ..
تخيلي مثلاً أنك تريدين تربية طفلك على الصدق.. هل يمكنك ذلك وأنت تكذبين؟
طبعاً لا .. ستبدئين بتربية نفسك على الصدق أولاً ثم تطبقي ذلك على طفلك
ونفس الشيء بالنسبة للصلاة والإبداع والنجاح والنفسية السوية وباقي المبادئ والقيم الإيجابية ..
إلى أمهات المستقبل ... رسالة
لن أخاطب أمهات الماضي لأنه يفصلنا جيل وثقافات وأساساً لن يصلهن كلامي ..
وإنما أخاطبكن أنتن يا أمهات المستقبل .. لا تجعلن أحداً يخيفكن من فكرة الزواج والانجاب على أساس أنها تخنق طموحاتكن وإبداعاتكن ..
ولكن فلنكن نحن نواة المجتمع الذي نريد ..
فلنربي أطفالنا على حرية الرأي والثقافة وفهم السياسة والقراءة والإبداع ..
فلنتوقف عن نقدهم ومقارنتهم بغيرهم وقول كلمة "لا" بمناسبة أو بغير مناسبة ..
لنأخذ الأمومة مهمة قومية نحملها على أكتافنا .. ولو أن كل واحدة منا نظرت إلى أطفالها نظرة إيجابية بأنهم هم حلم المستقبل وتربيهم ليحرروا ويصلحوا هذا الوطن ويعمروا هذه الأرض ويكونوا أطفالاً غير عاديين ..
حينها فقط نستحق هذا اللقب العظيم
" الأمومة "
نداء رفيق
3-11-2011
0 التعليقات:
إرسال تعليق